الموت المجاني من الدراجات

الدراجات النارية: الموت المجاني خطأ من؟



>

صادفت مع الدراجات النارية الكثير من المواقف المرعبة أثناء قيادتي للسيارة وخاصة في الأرياف السورية، كما رأيت بأم عيني الكثير من حوادث الدراجات النارية المؤسفة التي تقشعر لها الأبدان، والتي ذهب ضحيتها شباب في ريعان العمر. ومن خلال اطلاعي على سجلات بعض المشافي علمت بهول الكارثة التي تلم بشبابنا والتي يتم التعتيم عليها والوقوف موقف المتفرج ألا وهي الدراجات النارية. هل تعلم إدارة المرور أنه من بين كل 100 وفاة نتيجة حوادث السير هناك نحو نصفها نتج عن الدراجات النارية؟ لماذا يعتمون على الموضوع ويلحقون حزام الأمان ضمن المدينة ويتركون الأرياف تعاني يومياً من الحوادث المؤسفة؟ لكي نستطيع البدء بحل رموز هذه المأساة يجب أن نضع يدنا على الجرح ونحاول تضميده، فلنبدأ معاً:


1- معظم الدراجات النارية المتسببة بالحوادث كان يقودها فتيان مراهقون أو شباب طائش. كلنا نعرف كم هي خطيرة فترة المراهقة حيث يشعر فيها الشاب بأن قدراته لا حدود لها وأنه يستطيع أن يفعل ما يشاء ولا أحد يستطيع إيقافه. الحوادث الأخطر تأتي من سائقي الدراجات النارية من متعاطي المشروبات الكحولية والمهدئات والمخدرات (بدءاً من الحشيش إلى حبوب الوش وحتى المخدرات الشديدة). هذه الفئة هي مجرمة بحق نفسها قبل أن تكون مجرمة بحق الغير. بالطبع سوف أسمع الكثيرين ممن ينفون كلامي الأخير لكن هذا هو الواقع المأساوي.


2- يحاول المراهقون والشباب تقليد ما يشاهدونه في الأفلام والمسابقات الرياضية، أو يسعون للتباهي أمام الفتيات أمام المدارس وغيرها كي يلفتوا الأنظار. هنا يجب تنظيم هذه العملية بالسماح بإقامة مسابقات للدراجات النارية على أن تنظم بشكل جيد وتراعى فيها كل عوامل الأمان وأن تكون في أماكن مغلقة خاصة بذلك ، وألا تكون شوارعنا ساحة لهؤلاء المتهورين.


3- معظم سائقي الدراجات النارية متسببي الحوادث والمشاكل هم من الذين تركوا المدرسة باكراً أو من كانوا أضعف الطلاب وأكسلهم وأكثرهم إهمالاً. يفرض هذا الواقع طريقة مختلفة للتعامل مع هذه الشريحة الأقل وعياً وعلماً.


4- معظم الحوادث كانت نتيجة سرعة زائدة وتهور من قبل سائق الدراجة والمتسبب الحقيقي هو الدراجة النارية وليس الطرف الآخر (سيارة، مشاة، طريق)، ولكن للأسف تشير تقارير الشرطة في أغلب الأحوال إلى أن المسؤولية ليست على سائق الدراجة.


5- لا يستخدم معظم سائقي الدراجات أي وسيلة من وسائل الأمان، فنحن نرى معظم الدراجات بلا مرايا ولا شبك حماية جانبي ولا أضواء ، وجميع من يركب الدراجات لا يرتدون الخوذة الواقية ولا الستر الجلدية الواقية، ولا يراعون سلامة المكابح وحدود السرعة…. والكثير من وسائل الأمان المفقودة، إضافة لكون معظمهم لا يحمل شهادات قيادة نظامية أصلاً.


6- فقدان رعاية الأهل لأبنائهم على الإطلاق رغم أنهم يسمعون بحوادث يومية مميتة من الدراجات النارية لكنهم مقتنعون بأن ما قد يحصل لابنهم نتيجة تهوره بركوب الدراجة هو ما كتبه الله له. إنّ في هذا تسليم بالمكتوب لما هو من صنع البشر في الأساس.


7- تأجير الدراجات النارية للأطفال أثناء الأعياد وهو ما يتسبب سنوياً بعدة قتلى ومئات الجرحى من الأطفال الذين لا يعرفون معنى الخطورة ومعنى أن يعيش الإنسان بقية عمره عاجزاً (مشوهاً أو مبتور الذراع أو أعرج ) نتيجة رغبة المغامرة ولحظة نشوة تنتهي بمأساة.


8- الفقر المادي لأصحاب معظم الدراجات النارية وهو ما يستتبع أنه لا يستطيع أن يعالج بشكل صحيح وسريع إذا ما أصيب بحادث، إضافة لكونه لا يستطيع أن يسدد نفقات إصلاح ما تسببه من الحادث سواء للسيارة المواجهة أو للشخص المصاب. بالتالي فإنّ أي حادثة ستكون ذات نتائج وخيمة ومضاعفة على سائق الدراجة وأهله الفقراء أصلاً حيث سيدفعون الكثير للعلاج والدية ويضطرون للاستدانة وبيع جزءاً من أملاكهم القليلة أصلاً وفوق ذلك قد يبقى سائق الدراجة عاجزاً طوال عمره، وهنا تكون الكارثة.


9- عدم إيلاء أي اعتبار للنظام أو القوانين المرعية في قيادة الدراجة النارية لا من قبل سائق الدراجة ولا من قبل الشرطة التي لا تحرك ساكناً اتجاه هذه المأساة المسماة الدراجة النارية. قديماً قالوا: الثلم الأعوج من الثور الكبير، وبمعنى آخر إذا كان رب البيت بالطبل ضارباً فلا بد أن نرى البنات رقاصات. نحن نرى بأم أعيننا عناصر الشرطة ذاتهم (باستثناء شرطة المرور) يركبون دراجات بدون أية لوحات أو رخص، دون خوذ أو أي وسائل أمان، فكيف لهؤلاء أن نسميهم شرطة والتي من أولى أولوياتها الحفاظ على الأمن المروري؟ إذا أردنا أن نقنع شبابنا بالالتزام بلبس الخوذة ووضع المرايا وتطبيق القوانين، فسيرد مباشراة: خلي الشرطة تبدأ بنفسها. من لا يصدق ما أقول فليذهب إلى وزارة الداخلية ذاتها وينظر لموقف الدراجات النارية الخاصة بعناصرها وسوف نندهش عندما نرى أن أكثر من 50 % منها بلا لوحات ولا رخص ولا مرايا ولا من يحزنون!!! وطبعاً لا أحد من هؤلاء العناصر يرتدي ألبسة واقية أو خوذة عند قيادتها.


10- لا أعرف كيف تسأل شرطة المرور عن حزام الأمان لراكب في سيارة في قلب مدينة دمشق حيث السرعة لا تتعدى 20-30 كم / ساعة ولا تسأل عن الخوذة الواقية لراكب دراجة يسير بسرعة تفوق 100 كم / ساعة في الطرق الخارجية.


11- الحقد الدفين والحسد والغيرة من أصحاب بعض الدراجات النارية اتجاه مالكي السيارات بحيث كثيراً ما يتقصد بعض سائقي الدراجات تبلي سائقي السيارات وإغاظتهم وإظهار أنهم الأقوى وإن كانوا على عجلتين فقط!! إذا يوجد مرض نفسي حقيقي لدى بعض مالكي الدراجات النارية وهذا يجب الاعتراف به من قبل سائقي الدراجات النارية وعلاجه وإلا فقد تنتهي المناورة إلى كارثة. خاصة وأن قانون السير العجيب لبلادنا يأتي ليكون إلى جانب راكب الدراجة النارية وضد سائق السيارة مهما كانت الأسباب.


12- الإزعاج اللامحدود من قبل بعض أصحاب الدراجات النارية الذين يرفعون من صوت الدراجة عن عمد بقصد إظهار ذاتهم (لديهم عقدة نقص).


13- استخدام الدراجة النارية في الكثير من جرائم السلب والنشل والهروب بها بسرعة بعد تنفيذ الجرم. وطبعاً لا يمكن التعرف على صاحبها لأنها بلا لوحات ولا أي علامات مميزة.


14- يشتري الكثير من المراهقين الدراجات النارية بالتقسيط ، حيث لا يدفع سوى ألف ليرة والباقي تقسيط، وفي هذا تشجيع لجميع المراهقين على ركوب الدراجة النارية دون أية ضوابط حقيقية.

بعض القصص التي حدثت معي والتي أترككم لتحكموا عليها:


كنت عائداً في بداية الليل إلى البيت وإذ بي أتفاجأ بمراهق يخرج بدراجته النارية من إحدى الحارات مسرعاً دون أي انتباه وبيده موبايل يلهو به وكاد أن يصطدم بسيارتي التي أسير بها بكل هدوء. ففتحت النافذة وقلت له انتبه فقد كنت أن تسبب حادثاً. فما كان منه إلا أن شتمني وبقي ممسكاً الموبايل بيده ويقود كالمجنون بين السيارات. صدف أن تحرك السير فتجاوزته فما كان منه إلا أن ثارت ثائرته وأخذ يشفط حول السيارة فتوقفت درءاً لأي مشكلة فترجل عن دراجته وهجم شاهراً سكيناً وأخذا يرغي ويزبد فما كان مني إلا أن أغلقت النوافذ وقفلت على نفسي (كي لا أتسبب بمشكلة أكون فيها إما ضحية أو جاني) فأخذ يرفس السيارة من كل الجوانب. تجمع الناس وهم يهدؤونه فما أن ابتعد قليلاً حتى مشيت بالسيارة لأقرب حارة حيث لم يستطع اللحاق بي وصففتها ثم عدت إلى مكان المواجهة فوجدت شرطي دراجة قد حضر للمكان. حكيت له عن الحادثة فطلب إجازة القيادة والميكانيك والهوية أعطيته الإجازة والهوية لكن الدفتر في السيارة فقلت له الدفتر في السيارة فتفضل معي لأعطيه لك. أكدت له أثناء سيرنا أن سائق الدراجة مخالف في كل شيء: لا يرتدي خوذة، ليس لدراجته لوحات ولا مرايا ولا يراعي قواعد السير إذ يحمل بيده موبايل ووووو ، وعندما اقتربنا من سيارتي وجدنا سائق الدراجة العتيد وقد جلب ثلة من أصحابه وقد اجتمعوا حول السيارة. وهنا ما كان من الشرطي إلا أن أعاد لي الأوراق وقال عليك بمراجعة المخفر. قلت أي مخفر سامحك الله؟ ولماذا المخفر؟ ولماذا أنت شرطي مرور (شرطي دراجة)؟ قال: الصراحة أنا مو قد هيك علقة، وطالما أن الشغلة فيها عراك فالموضوع ليس مرورياً بل جنائياً. أصريت على كتابة محضر مروري باعتبار أن السيارة تضررت جراء رفسه لها، وهو أصر أن المحضر في مخفر الشرطة، ووحدي طبعاً لأن سائق الدراجة لن يأتي معنا (دس في جيبه مئتي ليرة) !!! قلت له وكيف سأتعرف عليه إذا كانت دراجته بلا أوراق ولا لوحات؟ فما كان منه إلا أن طلب من سائق الدراجة الهوية الشخصية. وهنا ثارت ثائرة سائق الدراجة وأخذ يتصل (على أساس أنه يتصل) بأقارب له في الأمن والشرطة والجنائية …. وهنا سحبت الموبايل من يد السائق وهددته بأني ابن مسؤول كبير ولي أقارب أكثر أهمية من أقاربك، وإذا كان يهدد بعنصر من الجنائية أو من الشرطة (مع احترامي لهم) إلا أنك لن تخيفني بل ستندم على ذلك وهددته بقضاء عشرة أيام في بيت خالته التي لا يعرف مكانها الذباب الأزرق. المفاجأة أن الشرطي سلمنا الهويات وهرب ليتركني مع شلة الدراجة النارية. ركبت سيارتي وعدت للبيت مهموماً قلقاً من ساعة الغفلة، الحمد لله أن حيلتي أتت ثمارها هذه المرة لكن من يدري ماذا سيحصل في المرة القادمة؟
- كنت عائداً من إحدى المناطق الريفية الجبلية ذات الطرق شديدة الانحدار والتعرج وكنت أقود سيارتي بسرعة 100 تقريباً وإذ بي أفاجأ بشلة من سائقي الدراجات المتهورين يتجاوزوني (سرعتهم تفوق 120 كم/ ساعة ) وهو يقومون بحركات بهلوانية في طريق ضيق ذو اتجاهين شديد الانحدار والتعرج فما كان مني إلا أن خففت سرعتي لأقصى حد ووقفت أتفرج على المأساة وشيكة الحدوث. الحمد لله أنه لم يحدث شيء لكني لم أستطيع أن أتعرف على أي من هؤلاء الطائشين (والذين أعتقد أنهم سكارى أو محبحبين) فجميع دراجاتهم بلا لوحات ولا أي علامات مميزة. فما رأيكم؟


كان أخي المغترب في نزهة إلى إحدى القرى الجبلية في عطلة الصيف، ويقود سيارة خليجية. توقف قرب محل لشرب العصير مع زوجته وبعد قليل سمعا صوت ارتطام رهيب نظرا باتجاه سيارتهما المتوقفة نظامياً جانب المحل فوجدا دراجة نارية مرمية بالأرض قرب السيارة وسائقها محطم ومضرج بالدماء. اجتمع أهل البلدة لكي يضربوا أخي الذي لا ذنب له على الإطلاق بما حدث وحاول صاحب المحل أن يقنعهم بأنه كان في محله ساعة وقوع الحادث، ولسوء الحظ كان سائق الدراجة مراهقاً مخموراً أيضاً، وهو وحيد لعائلته. ماذا تتوقعون كانت النتيجة: دفع أخي مئات الآلاف بحجة أن سائق الدراجة وأهله فقراء ولا يستطيعون علاج ابنهم ولا رعايته بما أنه أصبح عاجزاً للأبد، ووضع أخي في السجن عدة أيام ولولا تدخل أصحاب النفوذ لكان الوضع كارثياً بالنسبة له وتهشمت مؤخرة سيارته، وهو الذي لم يكن يقود السيارة ولا يعرف أصلاً كيف حصل هذا الحادث الذي جعله يعيد حساباته ألف مرة قبل أن يكرر زيارته لسورية. وسائق الدراجة لم يحاسبه أحد (رغم أن الدراجة بلا لوحات ولا رخص) ولم يردعه أحد ولا زال أهالي تلك المنطقة يتباهون بدراجات أبنائهم التي تثير الرعب للغرباء !!!!